1- حديثُ جَريرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ في حَجَّةِ الْوَداعِ: (اسْتَنْصِتِ النَّاسَ، فَقالَ: لا تَرْجِعُوا بَعْدي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقابَ بَعْضٍ). متفق عليه. 2- حديثُ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (وَيْلَكُمْ أَوْ وَيْحَكُمْ، لا تَرْجِعُوا بَعْدي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقابَ بَعْضٍ). متفق عليه.
الشرح:
فيه تحذير النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين من القتال فيما بينهم والنزاع والفرقة لأجل الدنيا وزينتها أو طلب الرئاسة أو الفتنة وقد وقع ما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته في زمن مبكر صدر الإسلام. والمقصود في هذا النص وشبهه التحذير من القتال بغير حق أما القتال الشرعي بحق الذي له سبب ومقتضى شرعي من قتال الخوارج والبغاة ودعاة البدعة والممتنعين من إظهار الشعائر الخارجين عن الجماعة فهذا فعل مأذون فيه شرعا مرغب فيه ولا يدخل في القتال المذموم المنهي عنه. وكذلك إذا قاتل المرء أخاه المسلم دفاعا عن نفسه أو أهله أو ماله كان فعله مباحا ولم يؤاخذ على ذلك ولو قتله لأن غرضه في ذلك دفع الأذى عن نفسه وحرمته وقد رخص الشرع في ذلك ولو مات بسبب ذلك كان شهيدا. أما إذا قاتله لأجل دنيا أو عداوة شخصية أو أخذ بثأر حرم عليه ذلك واستوجب دخول النار ولو كان مقتولا كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك. والشيطان يوقع الفرقة والخلاف بين المسلمين ويلقي بينهم العداوة والبغضاء فيحملهم ذلك على قتال بعضهم لبعض وسفك الدماء والتاريخ حافل بوقائع الفتنة ومشاهد الفرقة بين أهل الإسلام عند غلبة الهوى وفشو الجهل مما يندى لها الجبين ويحزن لها القلب. والشريعة جاءت بسد كل طريق يفضي إلى النزاع والفرقة وضبطت أحوال المسلمين السياسية والاجتماعية ووضعت لهم ضوابط لحقن دمائهم وحفظ اجتماعهم واتحاد كلمتهم. فينبغي على المسلم تعظيم هذا الأمر وعدم المشاركة مطلقا في أي قتال إلا إذا استفتى الراسخين من أهل العلم وصدر عن رأيهم وامتثل طاعة ولي الأمر الشرعي وظهر له وجه الحق وبان له. أما إذا اشتبه عليه الأمر وحصل له نوع تردد و كثر اختلاف الناس فيه فهذا قتال فتنة وشبهة فليمسك عنه وليعصم دينه من الدماء وليغلق عليه بابه ويكل أمره إلى الله كما تورع السلف الصالح عن الخوض في قتال الفتنة.
_________________