الأربعاء إبريل 30 2008 - خلدون ابو السعود
لقد كانت فلسطين جزءاً من الدولة العثمانية المستقلة ذات السيادة قبل أن تتمكن قوات الاحتلال البريطاني من احتلالها خلال عام 1918 ، أثناء الحرب العالمية الأولى ، وكان سكانها يعتبرون مواطنين عثمانيين يتمتعون مع الأتراك بحقوق متساوية في الإدارة والحكم والسيادة على جميع أراضي الدولة, بغض النظر عما إذا كانت تلك الأراضي عربية أم تركية .
وقد انفصلت فلسطين عن الدولة العثمانية نتيجة ذلك الإحتلال ، حيث امتلكت بذلك بريطانيا سلطة إدارية فعلية عليها , في حين بقيت السيادة القانونية عليها للدولة العثمانية إلى أن تخلت الأخيرة عن تلك السيادة لصالح الفلسطينيين باعتبارهم الشعب الممارس والوارث لها , وكذلك باقي الأقاليم العربية بموجب معاهدة لوزان الموقعة في 24 تموز 1923, حيث حرصت الدولة العثمانية على حذف أية إشارة من المعاهدة تتعلق بوعد بلفور المشؤوم.
ولقد أصبحت فلسطين نتيجة لهذه التطورات كياناً مستقلاً ذا سيادة خاصة تتميز بها عن الكيان السياسي الذي كان يؤلف جزءاً منه في الماضي ، ورغم ذلك فقد حرم الشعب الفلسطيني من ممارسة سيادته كاملة الفعالية على أراضيه بسبب الاحتلال البريطاني و وما تبعه من انتداب ، وقيام - دولة إسرائيل - على أراضيه بالقوة و بموجب قرار التقسيم الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة .
وامام الادعاءات الإسرائيلية بفرض السيطرة العسكرية والإدارية على الأرض الفلسطينية لتبرير إقامة الدولة اليهودية على الأنقاض الفلسطينية وما تلاه من تنكر لذلك الشعب من حق في تقريرمصيره واقامة دولته المستقلة وفقا للأعراف والمواثيق الدولية فان ذلك يدفعنا للحديث عن تلك المواثيق والمباديء الدولية والاتفاقيات التي أكدت تلك الحقوق لهذا الشعب والمتمثلة بالمادة (22) من عهد عصبة الأمم المتحدة وأثرها على استقلال فلسطين وكذلك اتفاقيات الهدنة مع إسرائيل , و قبولها عضواً في الأمم المتحدة وبروتوكول لوزان و الموقفان العربي والدولي من إقامة الدولة الفلسطينية وذلك على النحو التالي :-
أولاً : المادة (22) من عهد عصبة الأمم المتحدة وأثرها على استقلال فلسطين:-لقد اعتبرت المادة (22) من عهد عصبة الأمم أن الأقاليم العربية التي كانت تابعة للدولة العثمانية – ومن بينها فلسطين – أقاليم جاهزة للاستقلال, حيث بلغت درجة من الرقي والتقدم تجعل من الممكن الاعتراف بها كذلك ، ولذلك فقد وضعت هذه الأقاليم ضمن مجموعة (أ) من الانتداب التي لا يتطلب الأمر بالنسبة لها سوى إسداء النصح والمعونة , إلى أن يأتي الوقت الذي يمكنها فيه الاعتماد على نفسها . وهكذا فإن حق فلسطين في الاستقلال التام هو حق ثابت قانوناً ، فهي قد استعادت استقلالها من التبعية العثمانية ، وقد التزم الحلفاء باحترام ذلك الاستقلال وتمسك به شعب فلسطين , وعليه فإن مبدأ حق تقرير المصير أصبح حقا ثابتا في القانون الدولي وله أهمية كبيرة في الوقت الحاضر , وأن أي انتهاك لهذا الحق يصبح باطلا ولاغيا ولا يرتب أي أثر , ويترتب على ذلك اعتبار الانتداب باطلا لتعارضه مع هذا المبدأ وفقا لنص المادة 22 من الميثاق .
ثانيا : اتفاقيات الهدنة ما بين العرب و إسرائيل واثر ذلك على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره:لقد عقدت مجموعة من اتفاقيات الهدنة بين العرب واليهود لوقف القتال ما بين الجانبين ، حيث تضمنت تلك الاتفاقيات أحكاماً تمخضت عنها بعض الملاحظات التالية والتي تؤكد السيادة الفلسطينية على الأراضي المحتلة كإيجاد حالة من الإحتلال الحربي التعاقدي المستند إلى وثيقة قانونية متعلقة في إتفاقية الهدنة ، وهي لا تؤدي إلى تحويل السيادة من دولة إلى أخرى .كما أن تلك الإتفاقيات غير ملزمة ولا تؤثر على حقوقه الثابتة في السيادة وتقرير المصير ، سيما وأن الشعب الفلسطيني لم يكن طرفاً في أي منها ، كما أن تلك الاتفاقيات لم تنص على أي من الأمور التي تؤثر على حقوقه في هذا القبيل.
ثالثا : قبول إسرائيل عضواً في الأمم المتحدة وبروتوكول لوزان:لقد قامت إسرائيل بقبول القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة وخاصة قرار (181) الصادر في 29/11/1947 الداعي إلى تقسيم فلسطين ، والقرار (194) الصادر عن الجمعية العامة في 11 كانون اول 1948بشأن تدويل القدس وعودة اللاجئين ,» كما تعهدت أيضا لدى تقديمها طلبا أمام الأمم المتحدة لقبول عضويتها بتفعيل القرار 181 المذكور» . كما وقعت أيضاً مع لجنة التوفيق في 11 ايار 1949 على معاهدة لوزان . كما أن اعتراف إسرائيل رسمياً بتلك التعهدات يعد بمثابة اعتراف إسرائيليا لانشاء دولة طبقاً لحدود التقسيم عام 1947 مع تعديلات طفيفة ، وأن تقديم إسرائيل مشروعات إلى لجنة التوفيق في ايار 1949 تقضي بمنحها كل أراضي فلسطين باستثناء الضفة الغربية ، التي توضع تحت السلطة العسكرية الأردنية إلى حين التسوية النهائية, فإنه لا تأثير لها على اعترافاتها السابقة ، طالما أن العبرة بالالتزامات التعاقدية لا بالتصريحات أو المشاريع في القانون الدولي.